فصل: باب النهي عن سب الريح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **


باب النهي عن سب الريح

المؤلف رحمه الله أطلق النهي ولم يفصح‏:‏هل المراد به التحريم أو الكراهية، وسيتبين إن شاء الله من الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ الريح ‏"‏‏.‏ الهواء الذي يصرفه الله عز وجل، وجمعه رياح‏.‏

وأصولها أربعة‏:‏ الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، وما بينهما يسمي النكباء، لأنها ناكبة عن الاستقامة في الشمال، أو الجنوب، أو الشرق، أو الغرب‏.‏

وتصريفها من آيات الله عز وجل، فأحيانًا تكون شديدة تقلع الأشجار وتهدم البيوت وتدفن الزروع ويحصل معها فيضانات عظيمة، وأحيانًا تكون هادئة، وأحيانًا تكون باردة، وأحيانًا حارة، وأحيانًا عالية، وأحيانًا نازلة، كل هذا بقضاء الله وقدره، ولو أن الخلق اجتمعوا كلهم على أن يصرفوا الريح عن جهتها التي جعلها الله عليه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ولو أجتمعت جميع المكائن العالمية النفاثة لتوجد هذه الريح الشديدة ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، ولكن الله عز وجل بقدرته يصرفها كيف يشاء وعلي ما يريد، فهل يحق للمسلم أن يسب هذه الريح‏؟‏

الجواب‏:‏ لا، لأن هذه الريح مسخرة مدبرة، وكما أن الشمس أحيانًا تضر بإحراقها بعض الأشجار، ومع ذلك لا يجوز لأحد أن يسبها، فكذلك الريح، ولهذا قال‏:‏ ‏"‏ لا تسبوا الريح ‏"‏‏.‏

عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا‏:‏ اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به‏)‏ صححه الترمذي ‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لا تسبوا الريح ‏"‏‏.‏ ‏"‏ لا ‏"‏ ناهية، والفعل مجزوم بحذف النون، والواو فاعل، والريح مفعول به‏.‏

والسب‏:‏ الشتم، والعيب، والقدح، واللعن، وما أشبه ذلك، وإنما نهي عن سبها لأن سب المخلوق سب لخالقه فلو وجدت قصرًا مبنيّا وفيه عيب فسببته، فهذا السب ينصب على من بناه، وكذلك سب الريح، لأنها مدبرة مسخرة على ما تقتضيه حكمة الله عز وجل‏.‏

ولكن إذا كانت الريح مزعجة، فقد أرشد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ما يقال حينئذ في قوله‏:‏ ‏"‏ ولكن قولوا‏:‏ اللهم إنا نسألك‏.‏‏.‏ ألخ ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ من خير هذه الريح ‏"‏‏.‏ الريح نفسها فيها خير وشر، فقد تكون عاصفة تقلع الأشجار وتهدم الديار وتفيض البحار والأنهار، وقد تكون هادئة تبرد الجو وتكسب النشاط‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ وخير ما فيها ‏"‏‏.‏ أي‏:‏ ما تحمله، لأنها قد تحمل خيرًا، كتلقيح الثمار، وقد تحمل رائحة طيبة الشم، وقد تحمل شرًا، كإزالة لقاح الثمار، وأمراض تضر الإنسان والبهائم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ وخير ما أمرت به ‏"‏‏.‏ مثل إثارة السحاب وسوقه إلى حيث شاء الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ ونعوذ بك ‏"‏‏.‏ أي‏:‏ نعتصم ونلجأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ من شر هذه الريح ‏"‏‏.‏ أي‏:‏ شرها بنفسها، كقلع الأشجار، ودفن الزروع، وهدم البيوت‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ وشر ما فيها ‏"‏‏.‏ أي‏:‏ ما تحمله من الأشياء الضارة، كالأنتان، والقاذورات، والأوبئة وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ وشر ما أمرت به ‏"‏‏.‏ كالإهلاك والتدمير، قال تعالى في ريح عاد‏:‏ ‏{‏تدمر كل شيء بأمر ربها‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 25‏]‏، وتيبيس الأرض من الأمطار، ودفن الرز وع، وطمس الآثار والطرق، فقد تؤمر بشر لحكمة بالغة قد نعجز عن إدراكها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ما أمرت به ‏"‏ هذا الأمر حقيقي، أي‏:‏ يأمرها الله أن تهب ويأمرها أن تتوقف، وكل شيء من المخلوقات فيه إدراك بالنسبة إلى أمر الله، قال الله تعالى للأرض والسماء‏:‏ ‏{‏ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 11‏]‏، وقال للقلم‏:‏ ‏"‏ أكتب‏.‏ قال‏:‏ ربي وماذا أكتب‏؟‏ قال‏:‏ اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة ‏"‏ ‏.‏

* فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ النهي عن سب الريح الثانية‏:‏ الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأي الإنسان ما يكره‏.‏ الثالثة‏:‏ الإرشاد إلى أنها مأمورة‏.‏ الرابعة‏:‏ أنها قد تومر بخير وقد تؤمر بشر‏.‏

فيه مسائل‏:‏

* الأولى‏:‏ النهي عن سب الريح‏.‏ وهذا للتحريم، لأن سبها سب لمن خلقها وأرسلها‏.‏

* الثانية‏:‏ الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأي الإنسان ما يكره‏.‏ أي‏:‏ منها، وهو أن يقول‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك من خيرها‏.‏‏.‏ ‏"‏ الحديث، مع فعل الأسباب الحسية أيضًا، كالاتقاء من شرها بالجدران أو الجبال ونحوها‏.‏

* الثالثة‏:‏ الإرشاد إلى أنها مأمورة‏.‏ لقوله‏:‏ ‏"‏ما أمرت به‏"‏‏.‏

* الرابعة‏:‏ أنها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر‏.‏ لقوله‏:‏ ‏"‏خير ما أمرت به، وشر ما أمرت به‏"‏‏.‏

والحاصل‏:‏ أنه يجب على الإنسان أن لا يعترض على قضاء الله وقدره، وأن لا يسبه، وأن يكون مستسلمًا لأمره الكوني كما يجب أن يكون مستسلمًا لأمره الشرعي، لأن هذه المخلوقات لاتملك أن تفعل شيئًا إلا بأمر الله سبحانه وتعالى‏.‏

***